الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. فهذه رسالة جمعت فيها كل ما تكلم فيه ابن حزم في كتابه (الفصل في الملل والنحل) عن الأشاعرة. أقدمها خدمة للباحثين. وقد كانت فكرة استخراج كلام ابن حزم عن الأشاعرة تراودني منذ فترة، أثناء جمعي الموسوعة العلمية التي كنت أعدها عن شبهات أهل البدع. حيث بقي موقف ابن حزم من الأشاعرة غير معروف لدى الكثيرين من الباحثين. وبقي كثيرون من الأشاعرة يحتجون على أهل السنة بابن حزم من غير أن يعرفوا حقيقة موقفه من الأشاعرة. هذا، ولم أكتف بأن أجمع كلام ابن حزم فقط، وانما قدمت لهذه الرسالة بمقدمة علمية ذكرت فيها أهم مواقف العلماء من المذهب الأشعري. إذ أن الحامل على هذه الرسالة: الدعوى التي يطلقها البعض ممن يوافقهم: أن من كان يريد أن يتبع أهل السنة والجماعة فعليه التمسك بمذهب الأشعري. فابن حزم لم يكن يوما يرى أن الأشاعرة أهل سنة بل كثيرا ما كان يحكم بكفر مقولات الأشاعرة وهتكها للاسلام ومخالفتها لإجماع المسلمين. والدليل قوله في (الفصل في الملل والنحل ۱۱۱/۲-۱۱۲) حين تحدث عن أنواع فرق المرجنة « وأبعدهم - أي فرق المرجئة عن أهل السنة - أصحاب جهم بن صفوان والأشعري ومحمد بن كرام السجستاني فإن جهما والأشعري يقولون إن الايمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث». وقال وذهب أهل السنة والأشعرية والكرامية.» (الفصل 63/4) وقوله «وقد اختلف الناس في المعدوم أهو شيء أم لا فقال أهل السنة وطوائف من المرجئة كالأشعرية» (الفصل ٤٢/٥). فاعتبر الأشاعرة فرقة أخرى غير أهل السنة، مثلها مثل الكرامية والمعتزلة. وكان يصنفها من ضمن المرجئة. وإن كان لابن حزم من الزلات والتفرد بالأقوال وإطلاق الألفاظ الشديدة في خصومه ما لا ينبغي تجاهله، فمما لا شك فيه أنه من العلماء النقاد، وكتابه الفصل يعتبر مرجعا علميا مفيدا لمن يريد التعرف على مقالات الفرق والملل، وهذا ما دفعني الى جمع أقواله، ونقده للمذهب الأشعري، ليتضح أن الفرقة الأشعرية لم تكن يوما الا فرقة يمكن تصنيفها مع الفرق التالية: وأما القول بأنه اذا أطلق لفظ أهل السنة فإنه يراد به الأشاعرة، فهي دعوى بعض المتأخرين، لم يكن شيئ من هذا الادعاء معروفا من قبل. ولم يتهم أحد من العلماء المعاصرين ابن حزم بأنه يطعن في أهل السنة، لأنه لم يكن مقررا عند أحد منهم أن فرقة الأشعرية هي الفرقة الناجية، وكيف يكون ذلك مقررا عندهم، وهم يعلمون أن مذهب الأشعرية مبني على علم الكلام الذي أجمع أئمة هذه الأمة على ذمه والتحذير منه. كقول مالك « أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان» (۱) مخلفات التجهم والاعتزال في الأشعرية وقد تلاشى مذهب الجهمية والمعتزلة، ولم يعد يوجد من داع لهما بعدما ذهبت كل واحدة منهما كفرقة، ولكن بقيت مخلفات أفكارها مستقرة في المذهب الأشعري الأشعري(1)، هذا المذهب الذي عمر أكثر مما عمرت الجهمية والمعتزلة، فإنهما لم تعمران أكثر من قرنين أو ثلاث، أما هذا المذهب فقد عمر أكثر من عشرة قرون، وآن الأوان لكشف حقيقته للناس بالعلم والحجة والبرهان. وأنه ورث كثيرا جدا من تأويلات الفرقتين السابقتين، ولا يزال يفرض هذه التركة تحت شعار أهل السنة.
أما بعد:
فرق علم الكلام والمنطق.
فرق المرجئة.
فرق الجبرية.
ومع كل الانتقاد المأخوذ على ابن حزم رحمه الله، إلا أنه لم يقل أحد من النقاد المعتبرين أنه كان طعاناً في أهل السنة.
تعليقات