كتاب ابو حامد الغزالي والتصوف حديثة

إن الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له.
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد :

فقد كانت فكرة تأليف هذا الكتاب تراودني منذ فترة بعيدة. وبالتحديد منذ أن كانت تدور بيني وبين بعض المتصوفة مناقشات طويلة حول التصوف عامة، والغزالي بصفة خاصة . وكان لا بد عند الكلام عن التصوف من العروج على الغزالي وتأثيره في التصوف والمتصوفة.
ولا عجب في ذلك، فالغزالي محطة من محطات الفكر الصوفي، لابد من الوقوف عندها في كل دراسة أو مناقشة عن التصوف ومبادئه وتعاليمه.
وقد أرسى قواعد التصوف وعلومه في كتابه المعروف: إحياء علوم الدين.
وإن كان كتب عن التصوف في كثير من تصانيفه الأخرى.
ولذلك كانت مطالعة الإحياء أكثر أهمية عندي من كتبه الأخرى فابتدأت به. 
ثم اطلعت على ما تيسر لي من كتبه. غير أني وجدت في الإحياء من المسائل المتعلقة بهذا البحث ما لم أجده في غيره.

إذ إنه مشتمل على آداب التصوف جميعها وبيان تفصيل كل واحد منها، وهو بمثابة توحيد لما تشتت وتناثر من علوم التصوف، والكتب المؤلفة حوله. كالقشيرية، وقوت القلوب، واللمع، وحلية الأولياء، والرعاية وغيره للمحاسبي والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي والبسطامي.
والميزة التي للإحياء على هذه المصادر السابقة للتصوف تتجلى في خمسة 5- تحقيق أمور غامضة اعتاصت لم يتعرضوا لها في كتبهم. لذا كان مرجعي الأهم في هذا البحث. إذ هو دستور التصوف الذي يعتمد عليه أنت تفكر في اقتناء أصناف من الكتب لا ضرورة لها، بينما لم تحدث نفسك قالها لي بطريقة استنكارية شعرت معها وكأنني مذنب حقا لعدم اقتنائي هذا عدته بشرائه في أقرب فرصة. واشتريته فعلا. لكنني كنت ومازلت أتساءل هل حقا يجب على المرء أن يقتني كتاب الإحياء وإلا كان مستحقا للتوبيخ؟ الكتاب، وو

أمور:
1- ترتيب ما بددوه ونظم ما فرقوه.
2- حل ما عقدوه وكشف ما أجملوه.
3- إيجاز ما طولوه وضبط ما قرروه.
4- حذف ما كرروه وإثبات ما حرروه.
5- تحقيق أمور غامضة اعتاصت لم يتعرضوا لها في كتبهم.

لذا كان مرجعي الأهم في هذا البحث. إذ هو دستور التصوف الذي يعتمد عليه  المتصوفة إلى اليوم.
أهم الأسباب لتأليف هذا الكتاب:
قال لي أحدهم ذات يوم معاتباً:
أنت تفكر في اقتناء أصناف من الكتب لا ضرورة لها، بينما لم تحدث نفسك مرة واحدة بأن تفتني كتاب إحياء علوم الدين.

قالها لي بطريقة استنكارية شعرت معها وكأنني مذنب حقا لعدم اقتنائي هذا عدته بشرائه في أقرب فرصة. واشتريته فعلاً. لكنني كنت ومازلت أتساءل هل حقا يجب على المرء أن يقتني كتاب الإحياء وإلا كان مستحقا للتوبيخ؟

وهل حقا ما يشيعه بعض مشايخ الصوفية بين العوام من أن: من لم يكن عند الإحياء ما فيه حياء؟.
وقولهم: دع اللحية واقتن الإحياء. إلى غير ذلك من العبارات التي يحفظها العوام عنهم.
إن هذا التعصب القاتل والمدح المتشنج لكتاب الإحياء كان أحد الأساليب التي دفعتني إلى مطالعته لمعرفة السبب الذي جعلهم يفضلون كتاب الإحياء على أمر رسول الله ع لأمته بإطلاق لحاهم! ومعرفة السبب الذي جعل كل من لا يمتلك نسخة من كتاب الإحياء معدوم الحياء!!.

والسبب الآخر لذلك هو أني قد اطلعت على النقد الذي وجهه ابن الجوزي وابن تيمية وغيرهما من الأئمة إلى الغزالي؛ وكان أكثره عن الإحياء وما فيه من المخالفات الشرعية. فحرت بين نهيهم عن مطالعة الإحياء – إلا لمن كان عنده من البسطة في العلم ما يعتصم به من غوائله – وبين إنكار أحد الزملاء علي لعدم اقتنائي إياه.

ويسرني بعد هذا أن أصرح لهذا الزميل بأني قد قبلت نصيحته وقرأت الكتاب من أوله إلى آخره؟، وها أنا الآن أطلب منه أن يطلع على هذه النتيجة التي خرجت بها منه..

وبما أن الغزالي "حجة الإسلام" – كما يقال - فقد أصبح سلوكه للتصوف حجة عند المتصوفة. فلم يعد عندهم أدنى شك بأن المتصوفة هم الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، ما دام أن حجة الله على خلقه قد سلك سبيل التصوف وسماه: "المنقذ من الضلال" وما دام قد اختاره على ما سواه من المذاهب فإن الحجة

فيما اختاره الحجة !!؟؟.

وهذا مشعر باعتقاد الصوفية العصمة في الغزالي، وامتناع الخطأ والزلل عليه. فإن كان الغزالي حجة عندهم بهذا المعنى فلا الغزالي ولا أحد من الناس حجة. وإنما كتاب الله وسنة رسوله ع هما حجة الإسلام، كما أشار إلى ذلك عبد الغافر الفارسي - تلميذ الغزالي - في معرض ترجمته له وتفصيله مراحل حياته في العلم وغيره

وإن أريد بذلك إقامته الحجة على الفلاسفة في ردوده عليهم وتبيينه تهافت آرائهم للناس ومناقضاتهم فما فعله في ذلك كان حجة عليهم حيث ألزمهم الحجة تلو الحجة وخرج بذلك منتصراً عليهم بعد أن كشف تلبيساتهم وتمويهاتهم على الخلق وقبح الفلسفة في أعين الناس بعد أن كانوا فريقين: فريق يحسن الظن بالفلسفة، ويرى أنها تنمي العقل وتطوره. 
وفريق يعلم أنها زندقة ولكن لا يجرؤ على مواجهتهم ومحاجتهم خوفا من طرائقهم المنطقية وأساليبهم الجدلية التي قد تجعل لهم الغلبة عليه فيلزمونه بما ليس لازما له في الحقيقة.

ولهذا كان للغزالي في نقد الفلاسفة أثره الذي يحمد عليه. ولكن لا يعني ذلك أنه يقطع بصحة كل أقواله وأنه يستبعد أن يكون مخطئا في شيء منها، إذ الغزالي من جملة البشر الذين يجوز عليهم الخطأ والصواب، وقد عودنا أن يستغفر الله عند خواتم العديد من كتبه من كل زلل أو خطأ ظنه صواباً.

هذا ومن المعلوم أن حياة الغزالي العلمية مرت على مراحل متعددة، فقد خاض في الفلسفة ثم رجع عنها وردّ عليها، وخاض بعد ذلك في الكلام وأتقن أصوله


مرفقات

تعليقات